الاثنين، 19 يونيو 2017

رمزية الحيوان من خلال الحكايات المتداولة بأبركان -للباحثة مريم مركوم

رمزية الحيوان من خلال بعض الحكايات والأمثال المتداولة بمدينة أبركان 

بحث من انجاز الباحثة: مريم مركوم

المقدمة:
تعد الحكاية الشعبية والأمثال من بين الموروثات الشعبية بالمغرب التي لها صدى واسع بين مختلف الأفراد، وهذان النسقان الثقافيان يمثلان الذاكرة المرجعية للمتخيل الشعبي، ويكونان الأساس المرجعي للسلوك الجمعي، كما يلخصان الحمولة الثقافية، والفكرية لمجتمع ما ويعبران عنه. وهما نوعان مهمان من أنواع الإبداع الأدبي في الثقافة المغربية، إلى جانب الغناء والأسطورة والألغاز والنوادر والأحاجي...
لذا ارتأيت البحث من خلالهما عن رمزية الحيوان، مستعينة ببعض الحكايات والأمثال الشعبية المتداولة بمدينة أبر كان، لما لهما من دور فعال في الأوساط الشعبية.

  1) تعريف الحكاية والمثل.   
قبل الحديث عن رمزية الحيوان من خلال الحكايات والأمثال الشعبية، لابد من التعريف بكل من الحكاية والمثل، باعتبارهما وعاء ثقافيا يعبر عن اللاشعور الجمعي لمجتمع ما. فيمكن القول بأن «مصطلح الحكاية الشعبية جديد، لا بالقياس إلى الأدب العربي وحده، ولكن بالقياس إلى الآداب العالمية. ومع ذلك تعد الحكاية الشعبية من أهم وأقدم ما ابتدعه الإنسان، فهي ذاكرة قديمة تعبر عن مشاعره، وأحاسيسه، وواقعه، وتخيلاته، وتصوراته، فهي ترتبط بالواقع وتعطيه صيغة خيالية تأملية، لتحسن التعبير عن حدوثها في الواقع»1. وقد عرفت الحكاية الشعبية بكونها نوعا «من أهم الأنواع النثرية في الأدب الشعبي، وهي ترجع في أصلها إلى المعتقدات الأولى للإنسان، وهي كذلك، ما يدل على وحدة الفكر البشري»2. وهي ما يعرف عند المجتمع التقليدي في شمال إفريقيا بالدارجة، بالمحاجية أو الخرافة، وبالأمازيغية «تحاجيت» أو «ثنفوست. وعادة ما تروى هذه الحكايات في سهرات السمر الليلية، وبطقوس معينة، ويحرم تداولها في النهار، بدعوى أن من يرويها في الفترة الصباحية يصاب أولاده بالقرع.
وتتسم الحكاية الشعبية بكونها «ثمرة تفكير إنساني، وهي ليست عمل فرد بذاته. بل هي من صنع الجماعة الإنسانية والمجتمع، وهي مجهولة المؤلف»3 وهي عريقة مأثورة، انتقلت من جيل إلى جيل، مصورة للحياة الواقعية بأسلوب واقعي، ذاكرة لخصائص الجماعة الاجتماعية، والعقائدية، والتاريخية، والعرقية، واصفة لأحداث وعادات وتقاليد الجماعة، وقد تجرد الأحداث وتعطيها صيغة خيالية، وهي تعتمد على السرد لإثارة المتلقي، بنقدها اللاذع، وسخريتها المرة، وفكاهتها الضاحكة، وعبرتها الرادعة.
وقد فرق علماء المأثورات الشعبية، بين العديد من أشكال الحكاية الشعبية، بحيث تعددت أنماطها فتجد الحكاية الخرافية، والأساطير، وقصص الخوارق، والحكايات العجيبة، وحكايات العادات، وحكايات الحيوان، والحكايات المرحة، وحكايات الجان، وحكايات الحياة المعاشة. ولعل القاسم المشترك بين هذه الأنواع هو أهميتها في حياتنا اليومية، بحيث يجد فيها الإنسان متنفسه من كل أنواع الضغوط الاجتماعية، وكذا خروجه من قيده الزماني والمكاني، وتعبيره عن كل ما يجول في خاطره دون قيد، ومن ثم الحفاظ على الموروث الثقافي الذي يحمل في ثناياه قيما اجتماعية مثالية، ربما انهارت بتأثير الزحف المدني إلى المجتمع الشعبي، وكذا تطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا.

أما الأمثال الشعبية فهي «تسجيل قولي كلامي، في جمل قصيرة لبعض ما مر بالإنسان من أحداث استخلص منها مآثر ومواعظ»4. وهي منظومة من القيم الثقافية، مصاغة في نصوص قصيرة وموجزة وثابتة، متداولة بين الأفراد، كما «تمثل خلاصات لتجاربه السابقة، واستنتاجاته في الحياة، ومواقفه النهائية المضبوطة، المتبلورة المستندة على حوادث مدققة مرتبطة بظروفها ومرجعياتها القصصية التي يحفظها ويتداولها ويرددها ويطبقها على المواقف المختلفة التي يتعرض لها وتحدث له، ويتخذها دستورا، ونصوصا مرجعية»5. وهذا الأنموذج المعرفي الناتج عن فعل سابق غالبا ما يذكر عند الاعتقاد بأنه سيتكرر من طرف شخص ما، و»يتخذ المثل فاعليته وقوته من مقدار ملاءمته شكلا للموضوع الذي أريد له أن يكون معبرا عنه ومانحا له صفة المشابهة والمشاكلة»6.
ويذهب مالينوسكي الأنثروبولوجي إلى القول بأنه من الخطأ أن ينظر إلى الأمثال على أنها شكل من أشكال الفولكلور، أو مستند أوتوغرافي خاص بأحوال الشعوب، بل هي حكم وقصص، وانتقاد لاذع للحياة، وتعبير شعبي يعكس الخلفية التاريخية، وخبرة الإنسان التي اكتسبها من خلال ممارسة الحياة نفسها7. ولعل التركيز هو السمة الأساسية التي تميز المثل عن الحكاية لأنه «لا يصف التجربة أو يسرد تفاصيلها، ولكنه يحمل رأيا فيها»8 وهو أكثر الأنواع الشعبية انتشارا بين الشعوب، ويمتد ليشمل جميع مجالات الحياة اليومية، معبرا بذلك عن طبيعة الشعب وذكائه وفلسفته.
من خلال ما سبق يتبين لنا، أن كلا من الحكاية والمثل، يعكسان لنا الجوانب المختلفة للإنسان الشعبي، فكلاهما وعاء يحتوي على مخزون ثقافي من إنتاج الشعب يستهلكه ويجدده حسب حاجته. ولا أحد ينكر ما لهذا الأدب الشعبي من قيمة كبرى، يجهلها البعض من المتعصبين والمستنكرين، ويحاول البعض الآخر استخراجها، انطلاقا من بحثهم المتواصل في ثنايا هذا الأدب الزاخر بالقيم والرموز، التي ما زالت موشومة في ذاكرة كل فرد.

2) رمزية الحيوان من خلال بعض الحكايات والأمثال بمدينة أبركان

لعل التنوع التضاريسي والغابوي والثروة المائية والمناخ المعتدل، كلها عوامل ساعدت على تكاثر وتواجد ثروة حيوانية متنوعة ومتعددة بشرق المغرب، لذا حاولت البحث في رمزية هذه الحيوانات التي نجدها مذكورة في الحكايات الشعبية بمدينة أبركان، خاصة وأن هناك تباينا في تعامل الإنسان البركاني مع هذه الحيوانات، وذلك وفق حاجاته اليومية لها، فهناك من اتخذها وسيلة للتنقل، وهناك من اعتمدها في استهلاكه اليومي، وهناك من طاردته بعض الحيوانات وأعاقت تنقله ووصلت إلى حد افتراسه، ويمكن تقسيم هذه الثروة الحيوانية إلى ثلاث أقسام رئيسة:

* الحيوانات الأليفة: وهي التي ألفت الإنسان وأصبحت تعيش في محيطه، يعتني بها أو يستخدمها لقضاء حاجياته وأغراضه اليومية، وهذا النوع كثير.

* الحيوانات المفترسة: وهي التي اتخذت صفة العداء ضد الإنسان، فنجدها تعيش في الغابات، ومن أبرز مميزاتها كثرة الغضب والقوة وكذا الذكاء والسرعة، بالإضافة إلى رشاقة الجسم وقوة العضلات، وكل هذه المميزات هي أسلحة وهبها الله إياها لتتمكن من الحصول على قوت يومها.

* الحيوانات المائية: ويعد هذا القسم الأخير ثروة مهمة، لأن المجال المائي ساعد على نموه وتطوره، فالثروة السمكية متنوعة وكثيرة ببلادنا، وهي مصدر عيش الكثير من الأفراد بالمنطقة.

وكما سبقت الإشارة، هناك بعض الحكايات والأمثال المتداولة بمدينة أبركان، تتضمن أسماء بعض الحيوانات، وهي ترمز لأشياء متنوعة، لربما أراد من خلالها الإنسان التعبير عما يجول بخاطره بطريقة رمزية جميلة، مصاغة في قالب حكائي ما زال متداولا في الأوساط الشعبية، لما يحمله من عبرة وطرافة. وسأقسم هذه الحكايات والأمثال حسب الأبواب الآتية:

1) في باب القط:
الهر أو القط بالعربية الفصحى، أو «المش» بالدارجة، أو «موشْ» بأمازيغية بني يزناسن، من الحيوانات الأليفة التي يعتني بها الإنسان، وهي بدورها، تحميه من شر الفئران والزواحف، وتؤنس وحدته بموائها على السطوح، وجولانها بالليل كأحد الحراس الصادقين. فمن الأمثال المتداولة عن القط نجد «الفأر لمقلق من سعد المش». ومن خلال هذا المثل يحاول الإنسان
 إبراز دقة ملاحظة القط ونباهته في كل حين، كما يشبه الإنسان المتسرع بالفأر الذي يقع في المصيدة وهي القط، وهذا الأخير رمز للإنسان المتأني الذي يبحث عن فريسته بهدوء. أما قولهم «إذامن زو كيدي إغويان زو موش»، فهذا المثل يضرب في الإنسان الكثير الصراخ والكلام رغم ارتكابه لأخطاء لا تغتفر، ولكثرة كلامه وتبريراته يصدقه الناس ويتجاهلون المظلوم الحقيقي. ويعتقد الإنسان البركاني أن القط الأسود هو شيطان يضر من يضربه أو يلمسه خاصة في الليل، أما مواء القطة المتواصل إلى حد الإزعاج فنذير سوء، أما لحس القطة لقوائمها فهو نداء على رزق غير منتظر، لأنها بلحسها لقوائمها تقوم بالوضوء والدعاء في صلاتها لأصحاب المنزل الذي تعيش فيه. أما قولهم «ما نشري حوت ما يتبعوني قطوطا» فهذا دليل على أن القط يستأنس بالشخص إذا أطعمه، ويتبعه أينما ذهب، وهنا إشارة إلى الإنسان الذي يبحث عن المشاكل أينما كانت، مثله مثل القط الذي يتبع خطوات الإنسان لمجرد اشتمامه لرائحة السمك.

الحكاية الأولى:
ومما يحكى عن القط أنه في يوم من الأيام قرر أن يذهب إلى الحج، فأخبر الفئران بذلك، وفعلا غاب عن نظرهم عدة أشهر، وحينما عاد، عقد الفئران اجتماعا وقرروا أن يزوروه في منزله، واقترح أحدهم أن يذهب بمفرده حتى يختبروا مدى هدوئه وتغيره. ولما ذهب الفأر وطرق باب القط فتح له هذا الأخير، وضايفه وعامله بلطف وسأله عن باقي الفئران وعن سبب تخلفهم عن زيارته، أخبره الفأر الذكي حينما أحس بغدره بأنهم سيأتون عما قريب لعقد مؤتمر صلح فيما بينهم، وهكذا فرح القط وترك الفأر يذهب على أساس أنه سيستمتع بالتهام جميع الفئران في المرة القادمة. ولما وصل الفأر إلى أصدقائه سألوه عن أحوال القط وعما رآه هناك حينها تحدث قائلا «عمي المش حج وأمارات الحج عليه، شلاغمو يرتعدوا، والقفزة ما زالت فيه، واللي عندو شي غار يحفر ويزيد فيه»، وهكذا نجا الفئران من القط وما زالت العداوة قائمة بينهم إلى حد الساعة، فمن خلال ما سبق ذكره، يمكن القول بأن القط رمز للفطنة والحذاقة، وكثيرا ما استعمله الإنسان البركاني أثناء تعبيره عن سلوك معين، ومخاطبته لشخص ما، معتمدا بذلك التستر وراءه لتفادي المواقف الحرجة والمخجلة.

2- في باب الذئب والقنفذ.
ارتأيت الجمع بين الذئب والقنفذ في باب واحد، لأنهما كثيرا ما يلتقيان معا في الحكاية ولا يفترقان.
فالذئب شخصية أساسية في حكايات الحيوان، ويطلق عليه عدة أسماء مثل: «أوشن» أو «أكعب»، ويطلق عليه أيضا اسم «علي بنيونس»، وهو حيوان كثير الخبث، ذو غارات وخصومات وحيل شديدة، يضرب بهذا الحيوان المثل في الذكاء، والمكر، والخبث، قوته الجيف، والثمار، والأرانب، والطيور، والدجاج.
أما القنفذ أو «إينسي» بأمازيغية بني يزناسن، يطلق عليه أيضا اسم «بومحمد»، أو «بوسبع نتحيلاثين».
ومما هو مشاع بين أفراد المجتمع البركاني، أن الذئب له مائة حيلة وحيلة، أما القنفذ فله نصف حيله فقط، ورغم قوة الذئب العضلية والفيزيولوجية، فان القنفذ يتغلب عليه دائما، وغالبا ما ينقذه من الأشراك التي ينصبها له، ليبين له أنه طيب، وإنما يفعل به ذلك حتى لا يحتقره لمجرد صغر حجمه. وكثيرة هي الحكايات التي تنصب في هذا المجال، وقد تولدت عنها أمثال لا زالت تضرب للعبر والموعظة لحد الساعة، وهي:

الحكاية الأولى:
يحكي أن القنفذ والذئب كانا يسيران في الطريق بحثا عن القوت، وبينما هما يتجادلان ويتبدلان أطراف الحديث، أحس القنفذ بأن الأرض التي يمشيان عليها رطبة – وهذا دليل على وجود شرك بها، منصوب من طرف أحد الفلاحين- فتوقف وقال للذئب: أرجوك أن تصفعني بقوة، فقال له الذئب: لماذا؟ قال: لأنني لا أستحي، فأنا أصغر منك ومع ذلك أسبقك في المشي وأتقدمك، فعلي أن أبقى خلفك احتراما لك، وفعلا صفعه الذئب ومشا وبعد بضع خطوات، سقط الذئب في الشرك كما كان متوقعا، حينها بدأ الذئب يتوسل إلى القنفذ كي ينقذه لكن هذا الأخير، سخر منه وتركه ينال جزاءه. فهذه الحكاية تساق في مجال التفكر في الأمور، والانتباه إلى المصائب قبل وقوعها.

* الحكاية الثانية:
في يوم من الأيام تشارك القنفذ والذئب في زراعة قطعة أرضية، وكانت الغلة كثيرة تلك السنة، ولما جمعوا القمح في البيدر، قال الذئب للقنفذ – وغرضه السخرية من القنفذ والاستحواذ على نصيبه- تعال نجري سباقا، والفائز يأخذ المحصول كله. ورغم محاولة القنفذ في إقناع الذئب لاقتسام المحصول، ورده عن قراره، لكن هذا الأخير أبى إلا أن يجري السباق، واتفقا لإجراء السباق في الصباح الباكر. ذهب القنفذ إلى أصدقائه ووزعهم على عدة أماكن انطلاقا من مكان السباق إلى نهايته أمام المحصول. أما الذئب الغبي فقد كان فرحا نشطا، وبدأ السباق، وكلما وجد الذئب القنفذ في مكان يقول له: ألا زلت هنا؟ ويضحك. وهكذا... وحينما وصل إلى المكان المحدد، وجد القنفذ هناك يملأ الأكياس بالقمح، أما هو فقد خرج من المسابقة خاوي الوفاض، حينها قال له القنفذ المثل الذي لا زال متداولا لحد الساعة «الحيلة أحسن من العار».

* الحكاية الثالثة:
في يوم من الأيام، وبينما القنفذ والذئب يسيران في الطريق، عثرا على «متمورة»- مكان لتخزين الحبوب- مفتوحة، فقررا سرقة الحبوب، واقترح الذئب أن ينزل القنفذ بحجة أنه صغير ويمكن سحبه بسرعة، فوافقه القنفذ على اقتراحه، وفعلا اكتالا ما يكفيهما لمدة طويلة، وحينما طلب القنفذ من الذئب أن يسحبه إلى الخارج، ضحك الذئب وأخبره بأنه سيتركه هناك، فقال له القنفذ حسنا افعل ما شئت، لكن عندي طلب أخير، وهو أن تسحب هذا الدلو وتعطي ما به من حبوب لأبنائي. فحن قلب الذئب ووافق على طلبه. فسحب الدلو المملوء بالحبوب وأفرغه في كيس جديد، وحمل جميع الأكياس على ظهره. وحينما مر ببيت القنفذ وجد أبناءه يلعبون في الساحة، فبكى الذئب وقال لهم: إن هذا الكيس من الحبوب قد بعث به لكم والدكم، أما هو فرحمة الله عليه. حينها خرج القنفذ من الكيس ضاحكا وقال للذئب: كفاك مزاحا يا صديقي، لا تجعل أبنائي يقلقون بشأني فأنا مازلت حيا أرزق.

* الحكاية الرابعة:
كان القنفذ والذئب يسيران في الطريق، فوجدا قطعة من اللحم على الناصية، فقال الذئب: الأكبر سنا يأكلها. فرد القنفذ قائلا: نعم، لذا أعطني دليلا يؤكد لي أنك أكبر مني سنا. فقال الذئب: لقد فتحت عيني على الحياة حينما كانوا يحفرون البحر، حينها بدأ القنفذ بالبكاء والنحيب. فقال له الذئب كفاك بكاء إن قطعة اللحم من نصيبي. فقال له القنفذ: أنا أبكي لأنك ذكرتني بولدي الحسن والحسين، اللذين ماتا أثناء حفر البحر. وهكذا تغلب ذكاء القنفذ مرة أخرى على مكر الذئب وخبثه. وهناك مثل يقول:
«روح شك آيوشن أغنبو أنك ذا زرار»، ومعناه، أن الذئب لا يستحي ويعاود الفعل بالرغم من أنه دائما يقع في الفخاخ.

* الحكاية الخامسة:
في يوم من الأيام ذهب القنفذ والذئب إلى بستان من العنب، وكي لا يراهما الفلاح، دخلا من فتحة ضيقة، وبينما هما يأكلان العنب، كان القنفذ حذرا، وكان يلجأ بين الفينة والأخرى إلى قياس جسمه مع الفتحة حتى لا يتورط أثناء الخروج، أما الذئب فقد انبهر لكثرة العنب ولذته، ودفعه شرهه إلى التهام كل ما وجده بطريقه دون التفكير في عاقبة الأمر، وحينما أحسا بقدوم الفلاح نحوهما خرج القنفذ مسرعا، لكن الذئب لم يستطع الخروج، فظل يستعطف القنفذ
ويستجديه، إلى أن نصحه بافتعال الموت، وحينما وصل الفلاح، وجد الذئب مستلقيا على ظهره ببطن منتفخة، والذباب يحوم حوله، فاعتقده ميتا، فرمى به خارجا وهو يسب ويشتم. حينها نطق القنفذ بحكمة قائلا: «الكرش غرارة ورباطها عقل».

* الحكاية السادسة:
كان القنفذ والذئب يسيران في صحراء قاحلة، فأصيب بعطش فضيع، وبينما هما على هذه الحال وجدا بئرا في طريقهما، فقال الذئب للقنفذ: انزل أنت وأحضر لنا الماء، وسأسحبك. فنزل القنفذ فروى عطشه، وملأ الدلو للذئب، وحينما فرغ الذئب من الشرب أراد أن يترك القنفذ عالقا في البئر، وحينما هب بالذهاب سمع القنفذ يضحك فقال له الذئب ما بك؟ رد عليه القنفذ: لقد وجدت بالبئر خروفا وأنا فرح الآن أتمتع بأكله، لذا استعمل الدول وتعال لتتمتع بالأكل والشرب، رحب الذئب بذلك واستعمل الدلو للنزول، وفي وسط الطريق التقى مع القنفذ صاعدا لأنه أخف وزنا من الذئب، فسأله هذا الأخير: إلى أين أنت ذاهب فرد القنفذ بحكمه المعتادة: «هذه هي الدنيا شي طالع شي هابط»، فبقي هذا المثل متداولا لحد الآن.

* الحكاية السابعة:
أراد القنفذ والذئب أن يحتالا على رعاة الغنم، فصنعا دفا، وذهبا إلى الرعاة لتسليتهما، وبينما تسلل الذئب متوجها نحو الغنم، بدأ القنفذ يضرب على الدف ويغني قائلا: «أزدو، أزدو، أزدو، أوش إثلاث، أوش إيغزر، أوش إيفري ماني نزذغ، كبض السكاتي، أتلك البحلاتي»، أي إذهب بعيدا، واختبئ في الوادي، او في الغار، اقتل الخرفان واترك الماعز. وحينما رأى بأنه قتل العديد من الخرفان بدأ يقول: «أزدو، أزدو، أزدو، أوش إثلاث أوش إيغزر أوش إيفري ماني نزذغ، كبض البحلاطي، أتلك السكاتي» اي بدا يأمره بأن يترك الخرفان، ويقتل الماعز، حتى يسمع الرعاة صراخها فيذهبوا بعيدا عنهما. وفعلا، سمع صراخ الماعز، فتوجه الرعاة إلى الوادي تاركين القنفذ والذئب، فأخذ القنفذ يملأ سرته بالشحم واللحم، وقد خبأها في بطنه، لكن الذئب أكل ما تيسر له. وحينما هربا من الرعاة، وبينما هما في الطريق بدأ يخرج القنفد من سرته الشحم واللحم ويأكل، فرآه الذئب وطلب منه أن يعطيه مما يأكل وإلا غضب منه، فأخبره بأنه يضرب بطنه بالسكين فيخرج ما يأكله، فصدق الذئب قوله، ففعل ما أخبره به القنفذ، فسقط قتيلا للتو، وهكذا انتصر القنفد مرة أخرى بحيله أمام تسلط الذئب وجبروته.
انطلاقا مما سبق، يمكن القول بأن الذئب رمز لجميع الصفات الذميمة، فهو رمز للخديعة والمكر، أما القنفذ فهو رمز للفطنة والذكاء. ولعل ما تقدم من الحكايات تشير إلى العلاقة بين الذئب والقنفذ، وهي علاقة موجودة على مستوى الحياة اليومية في مجتمعنا، علاقة الخير والشر، وهذه الثنائية اللامتناهية، التي تبرز في كل زمان ومكان، ثنائية تكمل إحداهما الأخرى.

3- في باب الحمار:
 الحمار بالعربية الفصحى، أو أغيول، أو أمشخور، أو أزعوق بأمازيغية بني يزناسن. وتعد الحمير من أكثر الدواب انتشارا بالمنطقة الشرقية، وقد تميزت بعدة مميزات أبرزها تعدد استعمالاتها، صبرها، قلة تكاليفها، رخص أثمنتها. وبالرغم من كل هذا، فإنها تحتقر من طرف الإنسان، ويضرب بها المثل في الغباء وعدم الفهم، وغيرها من النعوت القبيحة غير المبررة، فهي رمز للغباء بالدرجة الأولى، والصبر بالدرجة الثانية. لكننا نعلم جيدا بأن الحمير لها قوة كبيرة على التحمل والقناعة، ولها ذاكرة مثل باقي الحيوانات الأخرى، فإذا تعودت خط سير معين، ذهبت باتجاهه بدون رقيب، كما تتميز أيضا بالحيلة والمكر، وفيها نورد ما يلي:

الحكاية الأولى:
في موسم الحصاد، أمر الفلاح الحمار بأن يذهب إلى المنزل ويحمل ما هيأته له الزوجة من طعام، وحينما كان عائدا إلى الفلاح حاملا الزاد فوق ظهره، وجد الذئب في طريقه، وقد كان هذا الأخير قد رآه من بعيد، فقرر أن يحتال عليه. فتمارض وطلب من الحمار أن يحمله في طريقه، وبعد إلحاح طويل، حمله الحمار. أما الذئب الماكر فقد أكل الطعام وشرب اللبن ولم يترك شيئا، حينها طلب من الحمار أن ينزله بحجة أنه اقترب من منزله. وعندما وصل الحمار إلى الفلاح لم يجد شيئا في الكيس، فصرخ في وجه الحمار، وهدده بعقاب لم ير مثله من قبل. فأخذ الحمار يخبر الفلاح بقصته، وقد عرف بأن الذئب احتال عليه، ووعد الفلاح بأنه سيحضر له الذئب. وفعلا انطلق الحمار بحثا عن الذئب إلى أن عثر على غاره، فتمدد أمام مدخل الغار كأنه ميت، وفي الصباح الباكر خرجت زوجة الذئب فرأت الحمار هناك، ودخلت مسرعة وأنهضت زوجها قائلة: يا زوجي العزيز لقد حلمت بأن هناك حمارا ميتا أمام الغار، اذهب وتحقق من الحلم. وحينما خرجا معا وجدا الحمار متمددا هناك، ففرحا واقترحت الزوجة أن تربط ذيل زوجها بذيل الحمار، ليجره ويدخله داخل الجحر، حتى لا تأتي حيوانات الغابة ويقتسمون معهم الفريسة، وفعلا ربطت ذيل الذئب بذيل الحمار، حينها نهض الحمار وسار بسرعة البرق فبدأت تنادي الذئبة قائلة لزوجها: «أطف ذكزير» أي أمسك بالعشب وهو يرد قائلا «اتنقلعن» أي أن العشب ينقلع من جذوره. ولما وصل الحمار إلى الفلاح وقد أوفى بالوعد الذي قطعه، أمسك الفلاح الذئب وسلخ جلده، ودهنه بالملح، وتركه يذهب إلى حال سبيله، ولما كانت الشمس ساطعة رأته زوجته من بعيد وصارت تصرخ قائلة: «مانيس شك أبو يقرفضان أزكاغ»: من أنت يا صاحب القفطان الأحمر، فأجابها قائلا: «وو أنتش، واخا ذيم أثيرجا نثمشومت» أي هذا أنا يا ذات الأحلام المزعجة. فمن خلال هذه الحكاية يتضح لنا ذكاء الحمار، فبالرغم من أنه في البداية سقط في مكيدة الذئب، إلا أنه استطاع أن ينتقم لنفسه ويحفظ ماء وجهه.

* الحكاية الثانية:
يحكى أنه كانت هناك صداقة تجمع بين الجمل والحمار، بحكم اشتغالهما لدى أحد الفلاحين، وفي يوم من الأيام وبينما هما جالسان، بدأ الفلاح يملأ أكياس الحبوب رفقة صديقه، وكانت تبدو ثقيلة. فسأل الحمار الجمل قائلا: ترى من سيحمل كل هذه الأكياس، فأجابه الجمل «لمحير» أي الذي سأل. وبينما هما يتبادلان أطراف الحديث، تقدم الفلاح نحو الجمل، ليحمل عليه الأكياس، فناداه صديقه وقال: لا داعي لأن تحضر الجمل، إن المسافة قريبة لذا أنصحك باستعمال الحمار.
من هنا يمكن أن نستنتج بأن الحمار شماعة تعلق عليها جميع المسائل كيفما كان حجمها، ومع ذلك نجده صابرا قانعا بما يأتيه.

*الحكاية الثالثة:
كان في أحد الحقول حمار يشتغل برفقه بغل، وكان صاحب الحقل بخيلا، لا يطعمهما جيدا، وبالرغم من ذلك طلب الحمار من الفلاح أن يطعمه الشعير مثل البغل، لأنه سئم أكل التبن، وفعلا استجاب الفلاح لطلب الحمار، وأطعمه من طعام البغل، وفي الصباح الباكر ذهب به إلى الحقل، وبدأ يضع فوق ظهره أكياس الشعير إلى أن سقط الحمار أرضا. وحينها قال: «التبن والراحة ولا الشعير أو الفضيحة». فأصبح يذكر هذا المثل لحد الساعة، في المواقف التي لا يستطيع الإنسان تحقيق هدف ما، بالرغم من توفر جميع الوسائل المساعدة لذلك، ومن ثمة لابد من القناعة والرضا.

ومن الأمثال الشائعة نجد الآتي:
- قديم وغشيم محال حمار الطاحونه.
- إلى كلت السبع حمار ركب لو اللجام
- ألي ما عندو هم تولدولو حمارتو.
- ربط حمارك مع لحمير يتعلم الشهيق والنهيق أو خرجان الطريق.
- لو كان الصفيحة ترد العار لوكان ردته على الحمار.
- لحمار غي حمار فلمدينة ولا فالدوار.

4- في باب الكلب:

الكلب أو السلوقي بالعربية الفصحى، أو آيذي، وأهكار، وأقزين بأمازيغية بني يزناس، حيوان كثير الألفة، يتخذه الإنسان صديقا، وهو رمز للألفة والصداقة والوفاء والإخلاص، دائم الجوع والسهر، يخدم الإنسان ليل نهار بدون كلل أو ملل، يدفع الأذى عن صاحبه، ويطرد اللصوص. وهو نوعان: أهلي ويلازم الإنسان في البيت ويقوم بالحراسة، وسلوقي يتخذ للصيد وحراسة الغنم، لا يؤذي صاحبه إلا إذا أصيب بداء الكلب، حينها يصير ريقه سما قائلا.

الحكاية الأولى:
ومما يحكي عنه، أنه في يوم من الأيام وبينما هو يباشر حراسة أحد المنازل مستمرا في النباح، فكر قائلا: لماذا الناس نيام، وأنا اتعب نفسي بالسهر على راحتهم والنباح ليل ونهار؟ لماذا لا أتوقف عن عملي هذا؟. حينها قام من مكانه وذهب واختبأ في أحد الصناديق الفارغة التي يوضع بها النحل، اي «الجْبَحْ»، فداهمه النعاس. وبينما هو على هذه الحال، حضر اللصوص وأرادوا سرقة العسل، فبدأوا يفتشون الصناديق، فوجدوها خفيفة. وحينما وصلوا إلى الصندوق الذي ينام فيه الكلب أعجبهم لأنه ثقيل فقال أحدهم، لا داعي لحمل كل هذه الصناديق لأن هذا الصندوق سيغنينا عن الباقي فهو ثقيل جدا، فحملوه خفية والناس نيام والكلب المسكين بداخله، وحينما وصلوا إلى المنزل أرادوا اقتسام العسل، ففتحوا الصندوق وإذا بالكلب يخرج من هناك، فاستعجبوا لذلك وكرهوا ما رأوه، فضربوه ضربا مبرحا لم ير مثله من قبل. فعاد إلى منزل صاحبه قائلا: لقد كنت أحرس نفسي وليس أهل المنزل، ومن يومها وهو مستمر في الحراسة والنباح دون انقطاع. والمثل القائل «العساس إعسس على راسو» لا يزال يضرب في سياق الكلام، إشارة لهذه الحكاية.

الحكاية الثانية:
يحكى أنه كان هناك ذئب يسير في الطريق، فالتقى بسلوقية، فأعجب بها، وعبر لها عن ذلك فطلبت منه أن يخطبها من أهلها. فذهب إلى أبيه، وطلب منه أن يذهب معه، رفض الأب ذلك وحذره لكنه لم يأبه لذلك، وقرر الذهاب لوحده، لكن ما أن اقترب من مقر سكناها وناداها، حتى هبت عليه الكلاب من كل صوب، وطاردته إلى أن أغمي عليه. كل هذا والسلوقية تضحك وتسخر منه. ولما استفاق من غيبوبته، عاد إلى منزله. ولما دخل على والده سأله هذا الأخير: هل وفقت في خطبتك؟ أجابه قائلا: «من سوو لي يدجين أذ اسيولغ أيوسار» أي من تركني أن أنطق ببنت شفة أيها العجوز. وهذا دليل على أن الكلاب والذئاب لا تتفق مطلقا.

ومن الأمثلة الأخرى المتداولة نجد:
- الكلب ما يعضش يد مولاه.
- الكلب ما يعضش اليد اللي تتمدلو.
- أمنثرو خوول أنس أيذي يسوفوع أول أنس
- إذا من زو كيذي إغويان زو موش.
ويقال عن الكلاب إنها ترى الشياطين، وأن الكلب الأسود شيطان لعين، والإنسان البركاني يتطير بنباح الكلاب، وهذا التطير مستوحى من التجربة لديهم، فهم يتشاءمون لنباحه، لأنه ينذر بوقوع شيء غير عادي في محيطهم، إلى درجة أن عواء الكلاب صار فألا للموت لديهم.

5- في باب من كل فن طرب:

الحكاية الأولى:
- يحكى أنه كانت هناك صداقه بين الثور (الفرد) والحمار، فكان الفلاح يستعمل الثور في مساعدته على حرث الأرض، ويستعين بالحمار أثناء التسوق ونقل الأشياء، وبينما هما على هذه الحال، قال الثور للحمار: يا صديقي أنا مللت من هذه المهنة، أريد أن أرتاح فما أنا فاعل؟ قال الحمار: تظاهر بالمرض حتى يعفيك الفلاح من عملك. فسمع الثور لنصيحة الحمار، وفي الصباح الباكر أحضر لهم الفلاح العلف، أكل الحمار بينما الثور بقي في مكانه دون حراك ممتنعا عن الأكل، فاعتقد الفلاح أنه مريض، لذلك أخرج الحمار واستعمله مكان الثور واستمر في حرث أرضه. مرت أيام والحمار والثور على هذه الحال. حينها قال الحمار: لابد من أن أخرج نفسي من هذا الموقف الحرج. فتوجه نحو الثور وقال له: آه يا صديقي، لقد سمعت الفلاح يخبر زوجته بأنه سيبيعك إلى أحد الجزارين، لأنك على وشك الموت. خاف الثور مما سمع وانتفض من مكانه، وعاد إلى العمل من جديد. لذا يقال «مادير خيرما يطر باس»، و»اللي شفت راكب لحمار كول لو مبارك العود». أي أنك إذا نصحت أحدهم وأردت مساعدته، فإنه لن يعترف بجميلك بل يرد لك الصاع صاعين، ويورطك فيما أنت في غنى عنه.

الحكاية الثانية:
يحكى أن الغراب أحس باقتراب أجله، فنادى ابنه، وقال له: أوصيك يا بني، إذا رأيت الإنسان مادا يده إلى الأرض، أهرب بسرعة، لأنه لا محالة سيأخذ حجرا ويرميك به. فقال له ابنه: لا تخف يا أبي فأنا لن انتظر الإنسان حتى يمد يده إلى الأرض فأنا سأهرب كلما رأيته من بعيد.
حينها قال الغراب مطمئنا «أدجيغت ثعمر»، أي أنني سأموت مرتاحا لأن ابني ذكي ويعرف مصلحته جيدا.

الحكاية الثالثة:
يحكى أن يمامة التقت بنملة في أحد الحقول، فنشأت صداقة بينهما، وذات يوم طلبت النملة من صديقتها اليمامة أن تزورها في بيتها، ولبت هذه الأخيرة دعوتها، فوجدت أمامها ما لذ وطاب من الطعام والشراب، فأكلتا وتسامرتا. وفي يوم من الأيام أرادت اليمامة أن تستضيف النملة وتكرمها، فأخبرتها بالقدوم إلى منزلها، وحينما ذهبت النملة، دخلت إلى بيت اليمامة، وخرجت هذه الأخيرة لتحضر ما تأكلانه. لكن طال غيابها، فملت النملة من الانتظار، وخرجت للعودة إلى منزلها، وبينما هي في طريقها، وجدت ريش اليمامة ملقى في القمامة فقالت: «وي ورن إخدم خزيك يتونشاف إخلق ذو علاف»، أي أن الإنسان الذي لا يعمل في صغره ويحضر ما يجده في المستقبل يقع له مثلما وقع لليمامة، فبدأ الناس يضربون بقولها المثل.

الحكاية الرابعة:
في يوم من الأيام كانت ضفدعة تتجول في أحد الحقول، فسقطت في «متمورة»، أي مكان لتخزين الحبوب، وبينما هي هناك خائفة، رآها ثعبان جائع، فنزل ليلتهمها، فصاحت قائلة: «يا غياث يا مغيث يا الموجود في الندهة، يا اللي مارات عين أو ماخفات خفية، يا ربي تلطف بي»، واستمرت في قولها تدعو الله تعالى لإنقاذها، وبعد برهة، بدأت الأمطار تتساقط فامتلأت «المتمورة»، فنجت الضفدعة من الهلاك وعادت سالمة إلى بيتها. وهذا دليل على أن «من توكل على الله كفاه»، ويقال أيضا «دير النية وركد مع الحية».

الحكاية الخامسة:
يحكى أن الذئب كان يتجول في السوق، فرأى الناس ترتدي الأحذية، فقرر أن يجرب ارتداءها، فذهب إلى أحد التجار، وطلب منه حذاء، لكن التاجر رفض لأن الذئب لا يملك نقودا، وبينما هو سائر في الطريق رأى أحذية كثيرة أمام أحد المساجد، فسرق حذاء ولبسه وتوجه إلى الغابة، فوجد الأسد أمامه، ورافقه في رحلة صيد، فتعمد الذئب السير به في مناطق شائكة مليئة بالحصى، وبدأ الأسد يتألم، وقد سال الدم من حافريه. فاقترح الذئب أن يصنع له حذاء مثل حذائه. وافق الأسد، فصنع له الذئب حذاء من جلد الماعز وكان حذاء ضيقا، وطلب من الأسد أن يمكث في الشمس حتى ييبس الجلد، فلما يبس الجلد ازداد الأسد تألما وصراخا، فضحك منه الذئب وتركه. وهذا دليل على خبث الذئب ومكره، فقد استطاع أن يحتال على الأسد، بالرغم من قوة وشراسة هذا الأخير.

الحكاية السادسة:
يحكى أن الطيور اجتمعت في يوم من الأيام، وقررت أن تختار قائدا لها، وأجمعت على أن يكون هذا القائد أكثر الطيور ذكاء، وأن يطير عاليا. جرب كل طائر حظه، فكان الفوز من نصيب أصغر الطيور حجما ويسمى «الدسيس».
وذات يوم وبينما طائر «القوبع» يطعم فراخه، متخذا نبات السدرة عشا له، مر به الفيل، فداس الفراخ المسكينة وقتلها، فذهب القوبع يشتكي ما وقع لفراخه، وطار باحثا عن الدسيس، وكان كلما وجد أحد الطيور في طريقه وحكى له قصته إلا وقال له: كيف يمكنك مواجهة الفيل وجسمه ضخم مرعب. وهكذا إلى أن وجد الدسيس فاخبره بقصته، وطلب منه إنصافه، فخرجا معا بحثا عن الفيل، فوجده يرعى كعادته، فأوقفه الدسيس، واستفسره عن الحادثة، لكن الفيل سخر منه ونظر إليه نظرة استهزاء، وقال له: «افعل ما شئت إن استطعت»، حينئذ ثار غضب الدسيس، وبدأ يطير حول الفيل في جميع الاتجاهات، إلى أن سقط أرضا فاتحا فاه، فأخذ الدسيس حصى وألقى بها في جوفه، فاختنق الفيل، وحينها قال الدسيس «لعمود ألي تحكرو يعميك». أي أنه لا يجب احتقار من هم أصغر منا سنا، ولا من هم أقل منا مرتبة، لأن كل واحد منا إلا وله سلاحه الخاص به.

خاتمة:
من خلال قراءة موجزة لما سبق، نستنتج أن المخيال الشعبي يعبر عن عقلية اليزناسني، وتصرفاته إزاء الحياة اليومية. فهذه الحكايات والأمثال المستقاة من هذا الوسط، يغلب عليها طابع التصور المثالي للخصال الإنسانية، ونجدها تصب في اتجاه الموعظة والإرشاد، مرجعيتها التجربة والخبرة. وهكذا أكون قد قمت بجولة سريعة في ذاكرة الإنسان اليزناسني من خلال هذا التراث الحكائي الشفهي المليء بالفائدة، والذي يستحق منا جمعه وتدوينه لحفظه من الزوال.




******
إحالات:
1 - حسين عبد الحميد أحمد رشوان، الفولكلور والفنون الشعبية من منظور علم الاجتماع، ط1، مطبعة الإنتصار، المكتب الجامعي الحديث الإسكندرية 1993، ص 57.
2 - محمد الغامي، وهي البينة، ط1ن دار الكتاب، الدار البيضاء 1970، ص 127.
3 - حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مرجع سابق ص: 58.
4 - حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مرجع سابق، ص 41.
5 - مالكة العاصمي: «الموروث الشعبي وصورة المرأة»، مجلة المناهل: دراسات إبداع قراءات، مجلة تصدرها وزارة الشؤون الثقافية المملكة المغربية، مطبعة دار المناهل، عدد 54، ص 91.
6 - إدريس كرم ،الأدب الشعبي بالمغرب الأدوار والعلاقات في ظل العصرنة، منشورات، إتحاد كتاب المغرب، ط1، 2004، ص 32.
7 - حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مرجع سابق، ص: 41.
8 - حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مرجع سابق، ص: 42.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

منظمة أكاديمية التراث تشارك في تخليد الذكرى 72 لانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت

  منظمة أكاديمية التراث تشارك في تخليد الذكرى 72 لانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت أبركان، 16 غشت 2025 بدعوة كريمة من النيابة الإقليمية للمند...