ثقافة حماية التراث بين الواجب الجماعي والآراء الخاصة
بقلم الباحث عبد الله لحسايني
فضلا عن جانبها التعبدي الطقوسي تعتبر
الأضرحة منتزهات عمومية للنساء في وضعية هشة، وكذا هي مراكز استماع فعالة للمرأة
المعنفة أو التي تعاني من الاقصاء الاجتماعي.
الأضرحة هي أيضا فضاءات التجمع الثقافي
والاجتماعي بحيث تجد الزائرة احتضانا من الاخريات اضافة لما تكتسبه من ثقافة شعبية
تستفيد الزائرة عبر نسج علائق اجتماعية من تفريغ الشحن السلبية ومعاينة حالات
مشابهة مستعدة للتضامن المعنوي معها..
![]() |
ضريح سيدي علي بن يخلف بورطاس |
كما تغني
الأضرحة الذاكرة الأدبية الشعبية عبر تداول أساطير أدبية قيمة تلخص الهوية
الجماعية للافراد.
وككل المجتمعات، يوجد توجه متشددون
يحاولون حرمان المجتمع من هذه الفضاءات التقليدية التراثية، بل ويمارسون المنع
بشكل مباشر كما لوكانوا دولة داخل الدولة -نموذج كارثة ضريح سيدي علي بنيخلف على
سبيل المثال لاالحصر- خصوصا بالطريقة الغير مثالية التي تجاوبت بها السلطات
الادارية والدينية في معالجة جنحة منع الزائرات من دخول بوابة الضريح عبر بناء
حائط على البوابة الصغيرة وعلى جانبي الضريح بدعوى منع أعمال الشرك والسحر.
وبدعاوي أخرى لا تبرر اقامة "شرع اليد" .ولا تزال حالة الضريح كما تركت
عليه منذ زيارة اللجنة المختلطة.-
إن
ثقافة حماية التراث هي فكرة حضارية تقتضي التجرد من نوازع الانتماء العقدي الضيق
في مقابل الكنوز اللامادية والمادية الأثرية، بحيث أنه من العار-والجرم أيضا- محو
تقاليد تراثية تحتوي على حمولة تاريخية يستفيد منها المختصون والطلبة ، من الغير
مقبول محاولة محوها لمجرد أنها قد تعارض قراءتك الدينية الضيقة.
فهل
مثلا، اذا وجدنا آثارا وثنية(تماثيل أو أصنام) أو مسيحية (صلبان أو طاولات مذابح)
أو اسرائيلية في مناطقنا الأثرية سنعمل هدمها لأنها تعارض معتقدنا أو قراءتنا
للمعتقد.
إن
هذه العقلية المتطرفة المخففة تقع مسؤولية ضبطها على عاتق الأمن والسلطة ممثلة في
عامل الإقليم بدرجة أولى وعلى عاتق وزارة الاوقاف بشكل مشدد بحكم انتماء الأضرحة
للثقافة الصوفية احدى ثوابت الوطن، لكن تقع أيضا على عاتقنا جميعا كفاعلين وأشخاص
باختلاف توجهاتنا.
ان
وجود مستوى ثقافي وحضاري ووعي لدى مجتمع ما يدل عليه أحيانا تصرفات سائدة فيه،
فحماية الحيوان لا يعني أن المجتمع يعيش البذخ أو يدعيه، بل يعني أن المجتمع
المحتضن لهذه الثقافة يعيش رقيا فكريا حتى لو كان في أقصى أزماته المادية.
وثقافة
حماية الآثار اذن مؤشر مهم على شكل المجتمع الذي نعيش فيه.
عبد الله لحسايني
أكاديمية التراث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق