مداخلة أكاديمية التراث بندوة مندوبية المقاومة حول انتفاضة أبركان وتافوغالت.
انتفاضة 17 غشت 1953م بأبركان وتافوغالت كمحطة أساسية للمقاومة المسلحة.
ذ. عبد الله لحسايني
شكلت سنة 1953 منعطفا جذريا في تاريخ الاستعمار الفرنسي بالمغرب فقد ساهمت قرارات الفرنسيين الهادفة إلى نزع الشرعية عن الملك إلى انتقال الشعب المغربي نحو مرحلة نوعية من المحابهة ورد الفعل، وكأن المغاربة بعدما خسروا رمز سيادتهم باتوا يلعبون خطة الكل للكل وكأنهم لم يعد لهم ما يخشون خسارته كما يقول المثل الشعبي المغربي " بعد ان وقع الفاس على الراس" . هذه الظرفية الحساسة التي شملت واقعة نفي الملك محمد الخامس استفزت مشاعر المغاربة فكان الرد المنطقي هو التصعيد الشعبي وابراز القوة لادارة الحماية التي لا تفهم غير هذه اللغة. لكن مالذي يمكن فعله في ظل التطويق الخانق الذي كانت فرنسا تمارسه على أنفاس المغاربة وخصوصاً الحركيين منهم؟ .. •سلمية انتفاضة 17 غشت 1953 بأبركان وبذرة جيش التحرير: بعد تصاعد الصراع بين القصر والإقامة العامة الفرنسية تقررت الانتفاضة وحدد موعد الثورة في ربوع المغرب. وجاء الأمر منتصف الليل إلى المقاوم مَحمد معي الصفريوي الذي كان ينسق بين وجدة وأبركان عبر المقاوم إدريس الورطاسي. ولتأخر الخبر تقرر أن تقام بدل الثورة الدامية تظاهرة سلمية فقط لضيق الوقت. وانطلقت الاعتقالات وفر جل أعضاء القيادة إلى الناظور منهم الصباني بوزيان وعمارة عبد الخالق... يلاحظ أن طابع العجلة كان سيودي بكل ما تم بناؤه طيلة فترة المقاومة السياسية، فشهادات المقاومين على اختلافها تجمع أن الأمر وصل زوال الأحد 16 غشت لأبركان فكان من المستحيل تنظيم الصفوف لعمل مسلح ومنظم في اليوم الموالي. وقد ناقش المقاوم عبد الصادق بوتشيش أسباب عدم تنفيذ الأوامر الحزبية بحرفيتها فذكر في مذكراته أنه التقى بالمقاوم والمنسق محمد معي الصفراوي عضو المكتب بفرع حزب الاستقلال بأبركان لكي يبلغه بقرار مكتب الفرع بوجدة وذلك زوال الأحد 16 غشت 1953. وقد استفسره لاحقا عن سبب عدم تنفيذ الثورة، فكان رد الأخير أنه التقى بمبعوث فرع وجدة عمر الورطاسي وأكد له قرار القيام بالثورة فأخبر معّي مسؤول الفرع بأحفير إدريس لهبيل. وفي مذكراته بكتابه "ذاكرة وطني" بدا المقاوم معي وكأنه متحرجا من سلمية العمل الثوري فقال -خلاف قول عبد الصادق- أن المواطنين كانوا مسلحين وقد استفزوا جنود الاحتلال على دباباتهم ومدرعاتهم العسكرية لكن الجنود لم يتسلموا الأمر بالرد العسكري. بينما في رواية المقاوم بوتشيش أن اوامر لاحقة طلبت من السكان التخلي عن السلاح. حيث يقول ناقلا عن شاهد عيان يدعى لعروسي أنه تم التجمهر ب "لمنزل" بمسجد مولاي إدريس لكن أوامر جديدة قضت بسلمية الحراك وبالتالي ترك الأسلحة البيضاء بالمسجد. وفي الحقيقة ماكان على الجماعة التحرج من عدم تنفيذ قرار مستعجل، فالسلطة التقديرية التي مارسها أصحاب القرار الحركي المحلي بابركان كانت عين العقل. إذ على إثر الحراك وبفضل سلميته التي اعطت الوقت والمدة الكافية لتأسيس أول الخلايا التي كانت توجه من المنطقة الشمالية الى كل من أبركان ومداغ ... مهمتها تنفيذ الأعمال الفدائية والعودة سالمة لقواعدها. ومنها تكون جيش التحرير. كما أن التعبئة العامة للحشود التي ستشكل عناصر جيش التحرير تمت على مرأى ومسمع الإدارة الفرنسية حيث خرج 40 الف متضاهر وهذا نجاح لا يمكن لتظاهرة دامية أن تحققه لكون العساكر سيجبرون على التدخل وفض الجموع وبذلك لن تصل الرسالة المرجوة لكافة المواطنين كما أن السلطات الفرنسية توصلت برسالة من المشهد مفادها أن سياساتها السابقة في تدجين الساكنة وتطبيعهم مع الواقع الجديد لم تنجح وأن أي تصرف مسيء لرمز السيادة الوطنية سيؤدي لهبة وثورة جديدة ستعيد الساكنة إلى نقطة البداية بإبراز رفض وجود المحتل. . إن تجربة تجربة انتفاضة وجدة الدامية في 16 غشت نجحت في إفهام الإدارة الإستعمارية أن بالإمكان إقلاق راحتها والذهاب بعيداً بتهديد أمنها وأمن مواطنيها. فانطلقت الانتفاضة المسلحة. لكن اجتهادات سياسيي المقاومة بأبركان بعد رؤيتهم للتجربة الوجدية تميزت بتفكير وحنكة أعمق. إذ أن أعمال العنف التي تقام في يوم واحد او ايام سرعان ما تغتال في مهدها. اذ لا يمكن انكار القوة المهولة للاحتلال وتمسكه بمفاصل المجتمع عبر الترهيب الشامل . فكان لا بد من التفكير بروية وأخذ قرار متدرج. وذلك ما كان. فقد حققت الانتفاضة السلمية التي تمت في 17 من غشت في كل من أبركان وتافوغالت هدفا استراتيجيا تمثل من جهة في تحسيس عدد ضخم من المواطنين وإشعارهم بأزوف مرحلة المواجهة الشاملة - مع العلم ان الترقب كان سيد الموقف بسبب ضعف قنوات التواصل مع المدن المغربية الأخرى - ومن جهة أخرى حقق تواصلا مع السلطة المحتلة ممثلة في رئيس الدائرة. فقد راقبت فرنسا الحشد الجماهيري الطوفاني وتسلمت رسالة مفادها أن مصير امنها في يد هؤلاء. إذ لم يكن بالإمكان حشد عدد ضخم في معركة مسلحة كما أن التواصل مع المحتل لن يكون متيسرا في هذه الحالة. ورغم ان فرنسا قامت بحملات الاعتقال في صفوف الحركيين والمواطنين إلا أن رموز الحراك حافظوا على حياتهم لينطلقوا في تأسيس المرحلة الأهم ألا وهي مرحلة المواجهة العسكرية عبر خلق خلايا مسلحة بشكل منظم وعلى نار هادئة انطلاقا من المنفى في التراب المحتل اسپانياً. ومن بين الفرق العسكرية اليزناسنية التي أنشأت في تلك الفترة فرقة بني درار بقيادة المقاوم محمد بلهاشمي ميري وقد انطلقت بعملية عسكرية خلفت قتيلان. وأصبحت تضم بعد العملية ازيد من 75 مقاتل. لتواصل عملياتها العسكرية في كل من منطقة الكربوز وعين صفا وبني يسبو وسيدي موسى اضافة الى امداد جبهة التحرير الجزائري بكميات كبيرة من الاسلحة. وفرقة قبيلة لهنادزة بزعامة المقاوم عبداللاوي عبد الرحمن. وفرقة قبيلة الزعازعة بزعامة محمد بلماحي وفرق عسكرية يزناسنية أخرى بكل من بني يسبو والدويز وتانوت وولاد خليفة وكزناية وولاد برمضان ببني منݣوش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق