كنز من المعطيات يواجه المجهول
قبل
سنوات قليلة اكتشفت أن بإحدى الثانويات
العريقة بمدينة بركان لا يزال يوجد أرشيف يعود لبدايات الفترة الاستعمارية
يؤرشف معطيات عن التعليم تحت الاحتلال يمتد من سنة 1909 أو قبل ذلك حيث أن
فرنسا تواجدت فعليا بالمنطقة منذ سنة 1908
أي قبل معاهدة الحماية بأربع سنوات.
هذا
الكنز من المصادر التوثيقية لظاهرة التمدرس في تلك الفترة التي تزامنت مع
فترة التشكل الحضري لمدينة بركان فقمت في إطار منظمة
أكاديمية التراث بالتواصل مع المؤسسة الارشيفية المختصة لدراسة وتمكين
الباحثين المغاربة من هذا الكنز التأريخي بشكل رسمي لكن صدمت بالبيرقراطية
التي تجثم على صدور المواطنين فلايزال المسؤولون بالتعليم يناقشون فكرة
قبول التواصل مع مؤسسة عمومية منذ 2018 والضحية أوراق هذا الأرشيف الذي لن
ترحمه العوامل الطبيعية وستآكل أوراقه وتزوال معطياته النادرة إلى عالم
النسيان.
لهذا فكرت أن أتشارك مسؤولية حماية هذا التراث مع القراء والمثقفين والمسؤولين عبر نشر دراسة مقتضبة لبعض مما تمكنت من الوصول إليه من هذا الأرشيف الذي قام أحد الأطر التربوية بتصوير بعضه.
إن ثقافة الحفاظ على الأرشيف والوثائق التاريخية خصوصا للفترات الحرجة من تاريخ البلاد هي من أبجديات مظاهر الوعي في المجتمع. ويبدو أنه من اللامعقول كتابة مقال عن أمر بديهي كهذا لولا أننا في زمن استثنائي يتساءل فيه "المثقفون" قبل غيرهم عن جدوى الاحتفاظ بأوراق "بالية" من عهد الاستعمار وأن الأولوية للمستقبل. وكأن بإمكاننا السير الناجح نحو المستقبل دون الاعتماد على قراءة واضحة للماضي.
ثانوية أبي الخير (سجل أحفوري لتاريخ المدينة) :
تعتبر ثانوية أبي الخير من "المستحاثات" التي رافقت تشكل مدينة بركان - أبركان سابقا وراقبت تحول الثقل السكاني من جبال بني يزناسن إلى سهل المدينة. هذه المؤسسة التي تحفظ كرونولوجيا تحول المجتمع ببركان من الهيمنة الفرنسية والتواجد اليهودي إلى التواجد المغربي المسلم فقط. فنجد في دراستنا لمختلف مراحل تسييرها مدا وجزرا لعدد ونوعية المغاربة الذين تسجلوا بأقسامها. فرغم أن سعتها ظلت كبيرة نوعا ما مقارنة مع المدينة الوليدة إلا أن غلبة العرق الأوربي ومعه بعض اليهود ظل السمة الغالبة في إحدى الفترات.
ويلاحظ أيضا تردد التسمية في الفترة الاوروبية بين المدرسة الأوروبية لبركان ومدرسة بركان ما قد يشي عن فترات انفتاحها على المستوطنين الغير فرنسيين وانغلاقها احيانا حسب العوامل التي ربما تكون الحرب العالمية إحدى أسبابها.
ومن هنا نجد أن دراسة بسيطة قد تكشف جبلا من المعطيات التي قد ترسم شكل المجتمع البركاني في تلك الفترة وطبيعة التوجه السياسي للإدارة التي وإن كانت تعليمية إلا أنها تتأثر بالجو السياسي السائد.
يلاحظ أيضا أن بعض المغاربة ( عكس الأغلبية الذين كانو يعرفون بأسماء آبائهم ويضاف إلى اسمهم عبارة بن أو بنت ..) كانوا يمتلكون ألقاب عائلية منذ الفترة الأولى من القرن الاستعماري، هذه الألقاب التي كانت نادرة أو منعدمة قبل منتصف القرن الواحد والعشرين قد تؤشر إلى تأثر بالثقافة الفرنسية لبعض حاملي الألقاب العائلية.
لقد بنيت المؤسسة في بدايات العهد الاستعماري لتكون مدرسة ابتدائية تعلم أبناء المستوطنين الذين وفدوا بكثافة حتى قبل توقيع الحماية. وكانت تسمى أنذاك المدرسة الأوربية لبركان Ecole européenne de Berkane على مساحة 25 آر 1 سنتيار وكان بمحاذاتها بناية الداخلية الابتدائية تقع على مساحة 1هكتار و30 آر و98 سنتيار. تابعتان للملك الخاص للدولة.
وحسب جزء من الارشيف المتاح ففي بداية العشرينات من سنة 1921 إلى 1926 كانت البناية تضم مدرسة ابتدائية مختلطة تسمى Ecole de Berkane تحت إدارة المستوطن H. Chamayrac وتابعة لإدارة التعليم العمومي التابع للحماية الفرنسية بالمغرب وقد سجلت 532 تلميذا مدة 5 سنوات (من فاتح غشت1921 الى 16يناير 1926 ) ثم تحول اسمها في 26 يناير 1926 الى المدرسة المختلطة لبركان Ecole Mixte de Berkane تحت ادارة المستوطن Bertout درس بها 526 تلميذا في الفترة بين 26 يناير 1926 و27 يناير 1931.
وفي 28 يناير 1931 أصبحت تسمى المدرسة الأوروبية المختلطة لبركان ُEcole européenne mixte de Berkane وهي مدرسة ابتدائية مختلطة دائما تحت ادارة المستوطن Bertout Gerant درست من 28 يناير 1931 إلى 2 أكتوبر 1936 525 تلميذا فرنسيا وبعض المغاربة ربما من اليهود كالتلميذ طبول يحيى ابن يعقوب .
ورجع اسم المدرسة من جديد الى اسم مدرسة بركان Ecole de Berkane سنة في 5اكتوبر1936 ومن هذه السنة الى 3دجنبر 1941 درس بها 525 تلميذا فرنسيا ومغربيا. إذ يلاحظ أنها بدأت تستقبل المغاربة المسلمين بوفرة حيث نجد اسماء مغربية كثيرة بالسجل.
وفي فاتح يناير سنة 1942 عاد الاسم للمرة الثانية إلى المدرسة الأوربية لبركان ُEcole européenne mixte de Berkane تحت ادارة المستوطن Mayze Paul وتسجل بها بالفترة بين فاتح يناير 1942 و17 من اكتوبر 1947 ما مجموعه 569 تلميذا. ونلاحظ تواجدا محتشما للعنصر المغربي بين التلاميذ.
وبدءا من 17 أكتوبر 1947 أصبحت المدرسة تابعة لـ للإدارة العامة للتعليم العمومي والفنون الجميلة والتحف التابعة للحماية الفرنسية بالمغرب وأضحت تحت ادارة كل من المدير السابق أي المستوطن Mayze Paul و Jean Tanguy و Pierre Bugeaud ودرس بها طيلة الخمس سنوات التالية أي من 17 أكتوبر 1974 إلى فاتح أكتوبر 1952 ما مجموعه 609 تلميذا مع تواجد ضئيل للعنصر المغربي بين التلاميذ.
وفي المرحلة الموالية أي بعد اكتوبر 1952 بقي المستوطن Jean Tanguy هو المدير الوحيد للمدرسة ويلاحظ غياب ذكر التسمية في الملف ما يحيل على بقاء نفس الاسم. لكن يلاحظ تغيير في اسم الادارة التابعة لها المدرسة فأضحت تسمى ادارة التعليم العمومي وازيل باقي التسمية السابقة.
وفي هذه الفترة الخمسية أي من فاتح اكتوبر 1952 إلى 3 من اكتوبر 1955 تتداول القاب يهودية كأزولاي وزبول وقلة من المغاربة بدون لقب عائلي بل باسماء الاباء كعبد اللطيف بن احمد بن سعيد ومليكة بنت احمد ولد محمد بن سعيد. وتم تسجيل 532 تلميدا فرنسيا وأوربيا إضافة إلى القلة المغربية رغم اقتراب ارهاصات الاستقلال الذي سيكون السنة الموالية.
ولم تتوقف المدرسة عن العمل في الخمسية التي تضمنت الاستقلال فمن 3 من أكتوبر 1955 إلى فاتح اكتوبر 1959 بقي المدير السابق أي المستوطن Jean Tanguy يسير المدرسة الابتدائية المختلطة وحافظت على التسمية السابقة أي المدرسة الاوربية المختلطة لبركان ودرس بها في هذه الفترة 521 تلميدا وقد ضمت بعض الجزائريين كالتلميذة بوتشيش كميلة المزدادة بمغنية سنة 1950 وبوتشيش جليلة في 1942 بنفس المدينة الجزائرية. وبعض الاسماء المغربية من مواليد فرنسا كبنلخضر علي و بنلخضر احمد ومواليد بركان كـ مصطفى بن محمد والزياني خيرة ومغنية ومحمد بن محمد بن قدور الشركي وعبد الفتاح خديجة وصالح عبد الرحيم وغيرهم من الاسماء المغربية ذات الالقاب العائلية أو بدونها.
وفي فترة الاستقلال نتوفر على سجل سنة 1966 نتوفر على سجل للمدرسة باسم اعدادية ابو الخير بركان Collège Abou-Lkhayr Berkane وأضيف في التعريف انها مختلطة تحت ادارة السيد عزيز الحسين وسجل في فترة سنة أي من فاتح اكتوبر 1966 إلى فاتح اكتوبر 1967 509 تلميذا وقد انطلق العد تراكميا من رقم 1124 ما يجعلنا نتوقع بداية الدراسة المغربية بهذه الاعدادية قبل سنتين بمعدل 500 تلميذ كل سنة أي سنة 1964 وهذا مجرد تخمين.
وفي السنة الموالية أي من فاتح اكتوبر 1967 الى غاية فاتح اكتوبر 1968 سجل 508 تلميذا وانتهى رقم التسجيل في العدد 2142 مع غياب تام للعنصر الاوربي بين التلاميذ. يذكر أن غلاف التعريفي للسجل مفقود وبالتأكيد لن يتغير اسم المدرسة في سنة واحدة ما يعني بقاء اسم الاعدادية دون تغير وبنفس الادارة.
ومن فاتح اكتوبر سنة 1968 الى 23 سبتمبر 1970 ودائما تحت ادارة نفس المدير السابق السيد عزيز الحسين تناقص عدد المسجلين في الاعدادية الى 420 تلميذا (يشار الى انه تم حذف صفة "مختلطة" من اسم الاعدادية بالسجل)
ويلاحظ أن السنة الدراسية ستبدأ انطلاقا من هذه السنة في سبتمبر بدل أكتوبر. ففي السنة الدراسية 1970/71 سجل 511 تلميذا ويبدو أن مجموعة من التلميذات سجل مصدر التحاقهم من مدرسة البنات Ecole de filles اضافة لمدارس اخرى كانت مصدرا للتلاميذ منها مدرسة أكليم ومدرسة كافيمور ومدرسة مداغ ومدرسة سيدي بوهريةكما التحق من اعدادية احفير وتاوريرت و اعدادية ابن رشد ببركان في اطار الانتقال بين المدارس على ما يبدو. وكانت أعمار التلاميذ تتراوح بين 14 سنة و20 وتدوم الدراسة سنتين اذ يبدو من السجل أن اغلب التلاميذ يغادرون الاعدادية بعد هذه الفترة,
وفي سنة 1971 تحولت المؤسسة من اعدادية الى ثانوية فضمت في السنتين المواليتين أي من 1971 إلى 1973 ما مجموعه 512 تلميذا ليعرف الرقم تضاؤلا منذ هذه الفترة ويستمر في السنة الموالية 1973/1974 لما مجموعه 212 تلميذا تحت إدارة السيد بنيعيش عبد السلام.
وسنقوم في فترة لاحقة بدراسة ما تمكنا منه من وثائق دراسة تفصيلية لإبراز الجوانب الاجتماعية والسياسية والتعليمية لتأريخ هذه المدينة الصغيرة.