الجمعة، 23 يونيو 2017

الخصوصية اللغوية لأمازيغية بني يزناسن

الخصوصية اللغوية لأمازيغية بني يزناسن
للباحث عبد الله لحسايني


تقع قبائل بني يزناسن بإقليم بركان في ملتقى عرقي وتشعب وتنوع لغوي. فلغويا بالإضافة إلى الدارجة العربية الشرقية الصادرة من وجدة والجزائر، والدارجة العربية "الغربية" القادمة من وسط و غرب المملكة ، و التي أضحت تؤثر بشكل قوي على الاختيار اللغوي للمنطقة، بفعل القنوات الإعلامية،  يحيط بالقبائل اليزناسنية أيضا لهجات من اللغة الأمازيغية أبرزها لهجات قبائل كبدانة و قلعية بما في ما بينهما من اختلاف. كما تتلاقح مع لهجات منطقة العيون سيدي ملوك بقبائلها المتنوعة من زكارة وبني بوزكو..، كما أن تواجدها على حدود المنطقة المحتلة اسبانيا زاد من تنوع المفردات المستعملة اضافة للمصطلحات الموروثة عن الفرنسية بحكم تواجدها تحت الاحتلال الفرنسي. 
وعلى المستوى العرقي تتميز المنطقة بتواجد أعراق امازيغية مختلفة وأصول عربية متباينة أيضا. ويمكن تمييز العرق الأمازيغي الزناتي كالعرق الأكثر سيادة على المنطقة قد يليه العرق الصنهاجي.
في ملتقى عرقي ولغوي متشعب كهذا، هل يمكن الحديث عن خصوصية وتفرد لغوي لبني يزناسن ؟

الخصوصية اليزناسنية:

كانت قبائل بني يزناسن تقطن السلسلة الجبلية المسماة باسمهم، والتي تنتهي شرق المنطقة الريفية، بين الحدود الجزائرية و بقية كتلة الريف، في المثلث المحدود شرقا بواد كيس وغربا بواد ملوية، قبل أن ينزل أغلبها ليستوطن سهل تريفة، أو مدينة بركان[1].
ورغم تعريب[2] المدينة بالكامل تقريبا، وتحول ساكنتها إلى استعمال الدارجة العربية بدل اليزناسنية، إلا أن مناطق كثيرة محيطة لا تزال تتحدث اللغة الأم. خصوصا منطقة أكليم والشويحية وشراعة وتفوغالت، وأغلب ساكنة البادية المحيطة. والذين يستنكفون عن الحديث بها إلا فيما بينهم، وكأنها نوع من بطاقة تعريف الهوية.
ومن حيث نوعية اللهجة، تتميز أمازيغية ياث يزناسن[3] بكونها من اللهجات الزناتية.
فـتسمية "يزناسن" - وتعني إيزناتن أو "الزناتيين"  باللهجة الزناتية- توحي بأن هؤلاء الأمازيغ يتفردون بكونهم أغلبية زناتية، في محيط غير زناتي. كما تُحمل على كونهم الزناتيين الوحيدين في المنطقة، أو أنهم يشكلون الغالبية مقابل تشكيلهم أقلية في المناطق المجاورة.[4]
ورغم خصوصياتهم اللغوية والعرقية، إلا أننا نجد بعض اللغويين يصنفون لهجتهم ضمن المجموعة الريفية[5]، وفي صنف اللهجات الزناتية. فيرجعون في الغالب لفهم مصطلحاتها إلى المراجع اللغوية المعتمدة للريف.
بينما اضطر الاختلاف الصوتي واللفظي مختصين آخرين[6] إلى تمييز اليزناسنيين عن الريف. لكونهم لا يشتركون معهم في أشكال نطق كثيرة.
 فمثلا، لا يدمج الزناسني حرف اللام بالراء كالريفي، ولا يدغم الأخيرة.. كما أن حرف الشين عند الأول متميز للغاية. فهو يُلفظ بين الشين والكاف، وهو أقرب إلى الشين الألماني أو الكردي. بينما ينطقه الريفي شينا تاما. وحرف العلة الأولي في الأسماء المذكرة نادر عند بني يزناسن، فيم الترقيق أو الترخيم متقدم، ويهم مثلا:
-       الترخيم على مستوى الحروف السنية (الصادرة من الأسنان)،  فحرف التاء يتغير إلى حد النفخ بالحنجرة فيصير هاء ( مثلا: نيهنين / نيـتـنين / وتعني: هم ).
-       الترخيم على مستوى الصوت الحنكي، اللهاة: حرف الكاف يتحول إلى ياء (أكسوم / أيسوم / وتعني اللحم).
-       وبالعكس فالياء تتحول إلى سين في المواضع الصوتية الانفجارية[7]
وحسب اللغوي الفرنسي إدموند ديستاين، يتجاوب اليزناسنيون بشكل أسهل مع لهجة الزكارة، وبني بوزكو بعيون سيدي ملوك، ومع بني بو سعيد وبني سنوس، ومع أهل فكيك ومع آيت سرغوشن. لكنهم يجدون صعوبة في الفهم حين يتواجهون مع الريفيين، بسبب النطق الخاص لهؤلاء. والعكس غير صحيح، فالريفي يفهم الزناسني بسهولة. كما أن الأمر يسوء أكثر حين يتواجه الزناسنيون مع شلوح سوس، فالتفاهم آنذاك يزداد صعوبة.[8]
من هذا المنطلق يُعتبر كلام بني يزناسن الأقرب إلى جيرانهم الجنوبيين والجنوب شرقيين، خارج نطاق المنطقة الريفية: أي بنو سنوس في الجزائر، وأيت وراين وآيت سغروشن.
مما سبق  نخلص إلى أن منطقة بني يزناسن أو آث يزناسن وإن كانت تقع في بحر الريف أو كما تسمى بالريف الصغير (تريفت-تريفة) إلا أنها تتميز بخصوصيتها اللغوية التي تستحق أن يفرد لها دراسات خاصة مماثلة للدراسات اللغوية الريفية التي ملأت المكتبات المغربية. كما على أنه  على معهد  الثقافة الامازيغية أن يأخذ خصوصيتها بعين الاعتبار في تقنينه وترسيمه للأمازيغية، فيدرج الحروف الزناسنية كالياشس أو الشين الألماني والياث الثاء المستعملة عند ازناسن والريف.





[1] كانت تسمى من قبل قرية سيدي امحمد أو بركان، ثم أبركان فـ بركان.
[2]  يذكر أن التعريب أدى مفعوله بعد تقوية وتشجيع السكن في بسيط تريفة (بركان أو سيدي امحمد أوبركان)، وقد كان للإشاعات المقرنة بين الامازيغية والتخلف، دور في تخلي مجموعات كبيرة من الأمازيغ عن تلقين لغتهم للأبناء. يلاحظ اليوم، خصوصا في مدينة بركان، أن الجيلين الأخيرين لا يتقنان الأمازيغية بينما لا يزال جيل الآباء يتحدث بها.

[3] يستعمل الزناتيون كلمة "ياث" أو "آث " وتعني بنو فلان أو من أصل فلان، مثلا ياث حكتيك، اث مزاب. بينما تستعمل قبائل الأمازيغية الصنهاجية "أيت"  بدلا عنها فيقال مثلا "آيت ملول".
[4] شيء غريب أن لا تسمى القبائل الأخرى المتفرعة عن الأمازيغ الصنهاجيين باسم " إيصنهاجن" مثلا على غرار اسم إيزناسن. ما قد يشي بتمييز سياسي ما خصوصا مع التنافس القديم بين الفرقتين والذي اتخذ طابعا سياسيا دينيا في الفترات السابقة، حيث انظم صنهاجة للفاطميين فيما شايعت دولة بني مرين الزناتية الأصل الأمويين. يذكر أن قبائل من الريف زناتية أيضا كبني توجين وغيرهم..
[5] تسمية سهل تريفة المتواجد ببني يزناسن أتت من كلمة تريفتْ، أي مؤنت الريف او الريف الصغير، مما يشي بانتماء معين للريف الأكبر.

[6] خصوصا الكاتب واللغوي رينيسيو.
[7]  Encyclopédie berbère E.B. et S. Chaker Beni Snassen / Beni iznasen (en berb. : At Iznasn)  P : 1468-1470
[8] P. 86 Essai de classification des dialectes Berbères de Maroc par Edmond Destaing – Etudes et Documents Berbère 2001-2002

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم أستاذي الكريم أنا في صدد إعداد بحث أدرس فيه اختلاف في خوصية اللغة لكل من الزنسنية والريفية وأنا أبحث عن مصادر موثوقة و عن مساعدة من طرفك و شكرا جزيلا على هاذا المقال الشيق

    ردحذف

تسجيل القفطان المغربي كعلامة جماعية دولية: انتصار للتراث المغربي

تسجيل القفطان المغربي كعلامة دولية – أكاديمية التراث تسجيل القفطان المغربي كعلامة جماعية دولية: انتصار للتراث المغر...