السبت، 22 يوليو 2017

سونا_ومحفزات إحياء التراث الشعبي-أكاديمية التراث

سونا_ومحفزات إحياء التراث الشعبي
للباحث :عبد الله لحسايني

عسونة في كرنفال بوجدة- صورة عبر الانترت
يعتبر الفن الشعبي الممارس من قبل العامة من أسس خلق اللحمة والتواصل بين مكونات المجتمع ، وغيابه يعتبر مؤشرا على القطيعة والتفكك وبالتالي هبوط الثقافة الجماعية.
ومن البديهي ملاحظة توافر هذا الفن في القرى والبوادي ونقصه في الحواضر على اعتبار أن القرية عكس الحاضرة والمدينة تتميز بتقارب ساكنتها وتعايشهم في إطار جماعي. ما  يشكل حاضنا يجعل هذه الاشكال الفنية الجماعية تنتعش وتتطور.

لكن الملاحظ اليوم ندرة أو غياب الفن الشعبي حتى في البوادي،  فبمنطقة بني يزناسن في مدينة أبركان كما في القرى والبوادي المجاورة(من أكليم إلى الركادة) اندثرت الاحتفاليات الشعبية لصالح الاحتفالات الرسمية أو الجمعوية التي لا تعبر كثيرا عن المتداول التقليدي للساكنة. وفي المقابل تنصلت التجمعات البدوية والقبلية عن القيام بدور ايصال الثقافة الشعبية عبر الاجيال وأبدت لااكتراثا مقلقا.

إن النزوع نحو اللاكثرات سببته عوامل مختلفة، لكن السبب الرئيس هو الفاصل اللغوي الذي تم خلقه بين الأجيال، حيث اختزنت الثقافة والعقلية والفن التقليدي في اللغة الامازيغية اليزناسنية التي احتفظ بها جيل الكبار وانطلق جيل الصغار مع الدارجة المعربة بفعل عوامل التعريب المختلفة - منها ما يعود للحقبة الفرنسية – جيلان منفصلان لغويا شكلا سببا كافيا لعدم انسياب وتوارث الفن الشعبي إلا ما فرض نفسه عن طريق الغناء الشعبي كالركادة ولعلاوي والراي.

ومن بين هذه الفنون الشعبية نحاول اليوم دراسة المسرحية الشعبية "سونة" التي قد تماثل في مناطق اخرى بالمغرب ببوجلود أو بو ايلماون الذي هو ترجمة لكلمة بوجلود أو العكس. والهدف اكتشاف البواعث التي كانت تخلق تحفيزا للساكنة آنذاك على التشبث بها وبغيرها من الفنون الشعبية.

سونا:
هو فن مسرحي شعبي يقوم على الارتجال ويسمى أحيانا بوهيضور واسم امازيغي يعني"صاحب الجلد"، لأن الممثلين الذين يقدمون هذه الفرجة يلبسون جلود ما يذبح في عيد الاضحى من ماعز أو أكباش، ويتزينون بأصداف الحلزون، ثم يضعون على رؤوسهم أطباقا أو أواني حديدية قديمة يضربون عليها من حين لآخر بعصيهم التي يرقصون بها. كما يرتدي بعضهم الألبسة المثيرة، ويضعون على وجوههم لحى مزيفة. وقد يضع أحدهم – اليهودي – عصابة على إحدى عينيه.
وتقام سونا خاصة بمناسبة عيد الاضحى. ولقد كانت في القديم تدوم أسبوعا كاملا ، غير أنه بعد استقلال المغرب أصبحت لا تدوم غير ثلاثة أيام لتختفي اليوم بشكل كامل.[1]

طريقة اللعبة:
بعد الظهر مباشرة من يوم عيد الأضحى، يبدأ الحفل بالصخب والتهريج والرقص... وتتكون الفرقة من ستة أو سبعة اشخاص يمثلون "اليهودي" ، و "با شيخ" و"عزونة" ومرافقيهم. ويصحب الفرقة عازفون على المزمار ومن يضرب على البندير. ولا تبدأ الفرجة إلا بعدما ترخص لها السلطات المحلية بذلك، آنذاك يبدؤون بالتجوال عبر الشوارع والمداشر والاحياء.
ونظرا لشعبية هذه الظاهرة المسرحية فقد كانت تحضى بجمهور عريض، مما اضطرت السلطات إلى حضرها خاصة بعد هزيمة حزيران 1967، وإن كانت بعض الفرق ظلت تزاولها خفية في بعض القرى من المنطقة الشرقية. ويعود سبب توقيفها فيما نرى إلى العامل السياسي ، ذلك أن سونا شكل مسرحي يعتمد على تقليد اليهود في أزيائهم وحركاتهم ولغتهم وأعمالهم، لذلك نراهم يلبسون الثياب الرثة ويقومون بأحقر الأعمال.
ومما يؤكد ارتباط فرجة سونا بتقليد الاعمال الحقيرة التي يقوم بها اليهود، الاعتقاد السائد عند الفئات الشعبية الذي يفيد أن الشخص الذي يمارس هذه الظاهرة يصير يهوديا لمدة أربعين يوما من يوم بداية الحفل. أما إذا مات خلال هذه الفترة فإنه يعامل كما تعامل أموات اليهود. ولعل شخصية هذا الشكل المسرحي التراثي تساهم هي الأخرى في تأكيد هذه الحقيقة. "فبا شيخ" هو رئيس الفرقة ، ويتميز عن أعضاء هذه الأخيرة بلباسه الخاص المتمثل في جلد كبش مع لحية وشارب طويل من صوف. أما اليهودي فيضع أحقر الثياب مع كسكاس فوق رأسه، ويلصق بمؤخرته ذنب حمار أو خروف دليلا على حقارته. أما "عزونة" ، فهي زوجة باشيخ، ويختار أوسم شخص في المجموعة ليقوم بهذا الدور، حيث يرتدي لباس المرأة.

مضمون المسرحية، 
تدور أحداث المسرحية بين كل هذه الشخصيات السابقة. فاليهودي يخطف عزونة زوجة باشيخ. ويأتي هذا الاخير مع جماعته لاسترداد المرأة، غير أن اليهودي يخدع الجماعة بمكره للدفاع عن عزونة، وهكذا يدور الصراع حول من يأخذها.
ومن بين نصوص هذه المسرحية هذا المقطع الذي تردده الجماعة مع رقصات فولكلورية وتشخيص معبر:
مجموعة باشيخ : سونا بغات الكديد  والعيد مازال بعيد
                    سونا بغات الكديد  واعطيوها يــاودي
                    لهودي خطف عزونة  خلاها مرهونـــة
مجموعة ليهودي : يا شيخ البشوش(الضاحك)  وعزونة فالعطوش(الهودج)
                    خطفنا عروس الدوار  بلعراك معا لكبار
مجموعة باشيخ : لهودي خطف عزونة وعبا من لعروسة
                    حتى نجيبو لفلوس  مكمسة فلكموسة
الجماعة         : سونا بغات الكديد  والعيد مازال بعيد

وبما أن اليهودي يطلب مالا مقابل ارجاع عزونة، فإن باشيخ يلجأ الى المارة من الجمهور ويدق الابواب لجمع المال. وبالفعل فإنهم كانوا يجمعون أموالا كثيرة . وقد كان رئيس فرقة سونا في المغرب الشرقي – وهو أكبر وأقدم شخص مارس هذه الفرجة يسمى "الرودان محمد"- .[1]


حوافز نجاح المسرحية الشعبية:

إن الحافز الإجتماعي الأساس الذي يجعل من اللعبة أمرا مسليا هو ذلك التناقض بين الأنا والآخر، وأفضلية الأنا. ويكمن التشويق الذي يمتع الجمهور في كيفية تحرير عسونة أو عزونة (أعتقد أن أصل الإسم Asouna نقيض Souna بإضافة حرف A) العروس وهي ترمز للعرض الذي لا يمكن أن يمسه الآخر الحقير. 

هذا الموقف يستغله باشيخ في جمع المال لدفع الفدية لاسترجاع الأفضلية الاجتماعية للأنا الجماعية.

إن لمسرحية سونة الشعبية تجليات سياسية واجتماعية، تتلخص في كيفية جمع باشيخ للمال بغية استرجاع الهيبة الجماعية وهو ما يعتبر اساسا لحكم القبيلة، حيث تتشكل المجتمعات البدوية حسب نظرية ابن خلدون على العصبية حيث يتوحد الناس حول شخص يمثلم شتركا لهم، ومنه تتشكل النواة الأولى للقبيلة ويقوم بجمع الضرائب لتحقيق المطلب المشترك.
إن العصبية الخلدونية والتي تؤسس على النسب تؤسس أيضا على كل مشترك تتلخص فيه الهوية الجماعية. ففي حالة المجتمع المغربي آنذاك، كان الدين يشكل هوية وليس فكرا. فأصبح بإمكانه تعويض النسب الدموي، وبالتالي العصبية الدينية أضحت تحدد هوية الأنا هو "المسلم" و"الآخر" و هو اليهودي الذي كان يشكل في فترات سابقة عنصرا لنقيضا لايستغنى عنه في المجتمع المغربي قبل أن يندثر فعله اليوم مع الهجرة اليهودية لإسرائيل.

إن المحفز الذي أدى لاستمرارية هذا التراث الفني أصبح اليوم في ظروف مجتمعية وفكرية مناقضة. فلم يعد اليهودي في العقل الجمعي يشكل العنصر المشارك للوطن والمنافس الذي يحضى بقبول لكن يوصم بصفات قدحية بغية الحفاظ على الغرور الجمعي والتفوق للأغلبية المسلمة. مع التأكيد على أن النظرة نفسها نجدها لدى العنصر اليهودي تجاه المسلم. لكن بفعل تغيير الظروف الدولية لشكل التركيبة السكانية بالمغرب، وانمحاء العنصر اليهودي في الشرق المغربي أو اختفائه من الظهور بالعلن، أصبح النقيض وحيدا ويحتاج لخصم جديد ما أخلى اللعبة من متعة المنافسة.

استعادة المحفزات:
إن سعي الانسان من أجل الكمال والسمو يعترضه دائما مواجهة التحدي.هذا الأخير يعتبر عنصرا مشوقا في الحياة، لكنه عنصر أساسي في مسرحية سونا التي فقدت أهم عنصر تشويقي. فكيف يمكن اعادة إحيائها وضمان نجاحها واستمرارها؟
إن ظهور "سونة" في كرنفالات في بعض المناطق الشرقية كوجدة مؤخرا لا يعتبر مؤشرا على استعادة هذه الظاهرة الاحتفالية التراثية ، ما لم يتم الارتكاز على اعادة احياء المحفزات. فالإجابة عن تحدي هوية الخصم وهوية الأنا أمر حاسم في نجاح أو فشل عملية اعادة الاحياء، ويمكن اقتراح خصوم على غرار خصوم الوحدة الترابية، أو خصوم الحضارة والتقدم العلمي، وتصويرهم في شكل سلبي متفق عليه ومتداول ، يمكن ذكر "داعش" على سبيل المثال، أو غيرها من التسميات السلبية التي لا تسبب الخصومة معها حرجا اجتماعيا.

إن هذه الغِـيلان الحديثة التي تخطف "عزونة" التي ترمز هي الأمل في التقدم وحماية الوحدة والوطن. وتكون مساهمة المتفرجين مرتبطة بحصول تقدم ما يشاهده المتفرج إما عبر كسر الأغلال شيئا فشيئا عن عزونة أو ما يماثله من تحرر.

إن المقترح الأخير قد يحتاج لمقترحات إبداعية جديدة تقوم بتحديث لهوية الشخوص العتيقة وتجديد للتحديات وفق مايقتضيه العصر.أملا في بعث الروح من جديد للتراث المحلي وتجديد وظيفته كباعث للفرجة والمتعة وعامل من عوامل تقويم الذوق والسلوك العام والثقافة المجتمعية.



[1]  الاحتفالية والتراث في المسرح المغربي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الادب العربي للدكتور مصطفى الرمضاني

هناك تعليق واحد:

تسجيل القفطان المغربي كعلامة جماعية دولية: انتصار للتراث المغربي

تسجيل القفطان المغربي كعلامة دولية – أكاديمية التراث تسجيل القفطان المغربي كعلامة جماعية دولية: انتصار للتراث المغر...