من أساطير منطقة بني يزناسن "مسعود"
أهو خرافة أم حقيقية : غطاس أم صوفي أم مجاهد أم جني؟
بقلم د.عز الدين بدري
.ملاحظة : (أعتقد أن هذا المقال رغم طوله يستحق اهتمامكم ،فيها نبشا وافتراضا قد يغني قراءاتنا للأساطير بمنطقة بني يزناسن.أطلب منكم أن نتعاون لنشجع الثرات اللامادي والثقافة المحلية لنشجعهما ليأخذا طريقها نحو الوطنية و العالمية .أطلب منكم آراء وتفاعلا وتعبيرا عن آرائكم و تملكاتكم الثقافية. )
.
يعتقد كثير من الوافدات والوافدون على ضاية "واولوث" أن "مسعود" مخلوق عجائبي يحب الهدايا ويحب الذبيحة وهو ملك الضاية وحارسها ، لأجل هذا الاعتقاد قدموا باسمه للضاية الخبز والتمر و الحلوى، وأضاؤا احتفالا به جنبات الضاية وجرفها بالشموع وأحيانا ب "الشعلات" الكبيرة، وقدموا له الذبائح من بط ودجاج وديك رومي وعنز وكباش، كان مسعود هو أول من تقدم له قصعة الكسكس المزينة بالزبيب واللحم والبيص يوم كانت تذبح العجول على طرف الضاية وسط الخيزران وبين أشجار الدفلة والأشجار العالية قبل أن يتم استئصالها قبل زمن الاستعمار حسب ماسمعت ، و كانت طفلة صغيرة هي من تقترب من رأس الضاية حاملة الطبق و.تقوم بقلبه والمحتفلات والمحتفلون في غفلة ،لأن أكثريتهم كانوا يعارضون ذلك الفعل معتبرين الصدقة أهلت لغير الله .
و حسب ما سمعت أن بعض المعتقدات تربط بين غضب الضاية وساكنيها وغياب القربان وهي تعبر على هذا الغضب الأنطولوجي بأخذها قربانها السنوي عنوة كل عام، فهل يا ترى يعتبر "مسعود" شريكا في حتمية الحصول على القربان الآدمي كل حول ام هو غضب الغارقين الملعونين فقط؟
.
يعتبر مسعود شخصية محورية في الميثولوجيا الواولوثية وهو أحد أهم العناصر المهمة فيها لوحده هو شخصية مشهورة ولها صيت واسع .
طلب رؤية "مسعود" هو فرجة على التخيل وهو طلب يرتبط بالانتظار الشبيه لغدو الذي لا يأتي فرغم أمل كل المنتظرات اللواتي يغتدين إلى الضاية منذ الصباح الباكر، ورغم إصرار بعضهن على البقاء إلى أن تغيب الشمس رجاء في التفرج على وجهه و رغم مغازلتن المستمرة لهذا الأسطوري العجيب فهن دائما يعدن إلى منازلهن خاويات الوفاض ، فلا تتحقق أمامهن أي مشاهدة على هذا الكائن الغروتسكي الخارق .
"مسعود" الكائن الفنطاستيكي في الديجور داخل الضاية في الغار ولن يخرج منه إلا بالقربان الصادق والنداء الحامل لزفرات روح متألمة جدا. إنه يشعر بالإزعاج ، هو لا يحب لا الضجيج ولا الضوضاء ولا صراخ الأطفال ولا ضوء القمر ويعشق فجرا والطيور مقيدة في أعشاشها.
.
رغم غياب مسعود عن الضاية وعن ضفافها لمدة طويلة جدا، إلا أن له حضور قوي في اللاشعور الجمعي القبلي وفي الوجدان العاطفي والنفسي خاصة عند الفتيات والنساء للواتي يعانين من نقص المؤدى الفكري .
تعتقد العامة أن مسعود سلحفاة كبيرة، وهذا الاعتقاد هو لب المشاهدة العاجئبية المنتظرة و جوهرها.
كثيرا من النساء اللواتي يقفن على جنبات الضاية يفتحن كلتا يديهن ثم يجمعنها نحو صدورهن وهن يرددن كلمة " التسْليمْ" وهي تعني تسليم الروح وإعلان الخضوع للضاية وبالضبط ل"مسعود " الولي الغامض الذي يسكنها . فهل يا ترى "مسعود " ولي من أولياء الله؟
.
سمعت عن امرأة تحكي : أن مسعود ليس سلحفاة وإنما هو رجل اعتكف عند الضاية لأيام يطلب الخلوة الصوفية بين الخيزران منذ زمن قديم وهو رجل يظهر ويختفي مثل الحلاج حين كان يغيب متحدثا عن "الرجعة الصغرى " قالت أن مسعود يملك قدرة الظهور في أي زمان و في أي مكان، وهو آخر "فقير" من "الفقراء" المتصوفة القدامى هو يموت ويحيى إلى يوم البعث وارتباطه بضاية "واولوت" هو ارتباط صوفي يتحدى قوانين الزمان والمكان ، هو ارتباط الطيف بمكان اعتكافه.
"مسعود" رجل اعتزل جماعة المتصوفة التي كانت داخل "لمقام" (زاوية دينية صغيرة ) كانت جماعته تضرب على الطبل وتردد الأذكار وتؤدي شعيرة "الحضرة "، حين اعتزلها و نزل إلى الضاية ليتأملها وليتدبر قصة الغارقين فيها وليحدث شيخه الباز الأشهب عبد القادر الجيلالي الذي وهبه الله "إمكانية الحضور في كل مكان" و في كل زمان (النقيب فوانو–وجدة والعمالة – الجزء الأول – الصفحة :152) حديثا طهرانيا صوفيا ،إنها علاقة بين غوثين صمديين ربانيين.
.
هذه الأفكار الصوفية لا تزال تشكل عنصرا مهما من عناصر تحديد هذه الشخصية العجائبية ، فمسعود هو كائن بشري متحول قادر على تجاوز كل القدرات الطبيعية للبشرية، أليس هذا ما تصرح به جل "لفقرات" المتصوفات الجلانيات؟
.
قد لا يكون مسعود سلحفاة، ولا كائنا خرافيا غروتيسكيا، ولا شبيها ب"لآلة عيشة مولاة المرجة"، فهل هو حسب هذا الزعم السابق وفي سياقه طالب دين من طلاب العلم جزائريين الذين زاروا المنطقة ، أيكون هو الولي الصالح المسمى "سيدي مسعود أبركان "(الذي بنيت على قبره قبة ببلدية قرة بولاية سطيف،و ربما أن قدومه إلى منطقة' واو اللوث / ( واد اللوز) كان طلبا للعلم .
أيكون مسعود كائنا بينيا، في "الأعراف" لا هو في الجنة ولا هو في النار؟ لا هو مع الناجين :"تاميمونت" وابنتها وكلبتها ولا هو من الفانين المعاقبين المغرقين سكان الضاية ، لا هو مع الموتى ولا هو مع الأحياء، وقدر عليه قدر سيزيفي ليعيش في الضاية ممسوخا بعد أن كان رجلا صوفيا ومتعبدا، وقدر عليه أن يكون من ماهية صوفي متعالي على قوانين الزمان والمكان ولما ياترى مسخ ؟.
.
إن الولي الغامض "مسعود" لم يؤذي أحدا، فهو غير عائشة المرجية التي تسكن المستنقعات والتي تعتبر مرعبة جدا. ل"مسعود" ديمومة داخل الضاية، وربما له خروج منها ، وخروجه صوفي يعلو على اللغة وعلى الواقع ، وهو في خروجه لا يماثل خروج "عيشة قنديشة المرجية" التي قد تؤدي ضحاياها ، فلم يروج عن مسعود خبر قط يرتبط بإيذاء الناس وبترويعهم، وهذا ما جعله مذكورا عند العامة ذكرا طيبا ، ومحبوبا ومرغوبا في مشاهدته ، وهذا ما شجع على تحلق النساء باكرا قبل الغدوة حول الضاية: منهن من تغتسل عارية ، ومنهن من تصلي على النبي وهي نصف عارية ، ومنهن من تطوف حول الضاية سبع مرات حافية القدمين ترش جسدها بماء الضاية وهي عند انتهاء كل دورة حول الضاية تنادي عند رأسها :"مسعودْ يا مولْ سعودْ يا مسعود" بصوت فيه الرجاء والبكاء والأمل ،وجميعن كن مطالبات بشعل الشموع التي توضع في ثقوب الجرف المطل على الضاية وتقديم الهدايا ،وفيهن من كانت تضيف شعيرة أخرى تتمثل في عقد شريحة من الكتان أم تعليق قطعة من اللباس الداخلي على أشجار السدرة المتواجدة في محيط الضاية.
.
بعد الغدوة يظهر أشخاص آخرون غير النساء يبحثون عن العلاقة الودية ب"مسعود" الخارق والعجائبي والمحبوب والطبيب ، وهؤلاء الأشخاص يعانون من الاضطرابات العقلية و يعتقدون في تعرضهم للمس الشيطاني و يعتقدون أيضا في تعرضهم لمؤثرات السحر. يسمع "مسعود" مناجاتهم ونواحهم ونحيبهم وبكائهم ، ويسمع لبكاء الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة كذلك. يسمع ولكنه لايظهر.
هؤلاء المرضى والمقهورون والعجائز والعنائس والحائرون والحائرات يرجون بركة "مسعود" الولي الغامض والزاحفة الغروتسكية التي أشيع أنها سلحفاة كبيرة،والتي يعتقد أحيانا أنها الجني متحول يفعل الخير و يمنح بركته السحرية القادرة على جلب الشفاء.
.
إن غموض شخصية "مسعود" وسع إطار الفرضيات المرتبط به، فلم يعد هو صاحب تجربة صوفية متعالية على قانون الزمن ؟ ولا هو هو جني يحب الخير ولا هو سلحفاة متحولة تنتقل بين العوالم المبهمة والعوالم المفهومة انتقالا سحريا يرتبط بزمن الغدوة وزمن الأصيل وزمن الليل ويتحدى كل قوانين الزمن .
لقد روجت رواية أخرى تبتعد عن هذا النسق الأسطوري العجائبي حول مسعود محتواها : أن هذا الأخير هو رجل غطاس ماهر كان المستعمرون يضربون باطن يد بالاخرى تشجيعا له على عروضه البهلوانية التي كان يقدمها. لقد كان يقفز من فوق شجرة صفصاف مطلة على جرف الضاية قبل إجتثاتها، وكان جنود الثكنة العسكرية الفرنسية المطلة على الضاية يلقبوه "بمسوود".
.
وروج رأي واقعي ثان محتواه : أن مسعود سجين مختطف من أعضاء المقاومة الجزائرية عذب العذاب الشديد في القلعة الفرنسية فوق الضاية وتم إغراقه فيها مثل بقية المقاومين الجزائريين المختطفين الذين كانوا يرمون في الأكياس في قاعها إلى أن يموتوا. و قضية الاختطاف للمقاومين الجزائريين كانت سارية المفعول عند الاستعمار لقد كان "العالم كله ينظر إليهم نظرة السخط والغضب على خيانتهم وغدرهم ( مقال: "نتيجة الاختطاف" - جريدة منار المغرب - الأحد :30 ربيع الأول 1376 /الموافق ل 4 نونبر -1956) .ولقد ظل - ربما - مسعود المقاوم والمجاهد عالقا في الذاكرة الشعبية لأنه كان صاحب نفس عميق تحت الماء ولم يمت بسهولة ،أتكون الإشاعة الخرافية قد أخذت من حقيقة المعطى العدواني الإجرامي؟ من يدري.
.
بعد تقديم هذه الافتراضات جميعها فمن منها يا ترى هو الأقرب إلى الصواب.
.
- "مسعود" هو الرجل الصوفي الذي كان يتعبد على طرف الضاية متأملا مصيرها وهو عينه الذي يوجد قبره بالجزائر حيث بنيت عليه قبة في ببلدية قرة بولا ية سطيف واسمه "سيدي مسعود البركاني"؟
- مسعود هو المقاوم الذي أغرقه الاستعمار مثل غيره من المقاومين الجزائريين وظلت روحه لا تفارق الضاية ؟
مسعود هو غطاس ماهر كان يقفز من فوق شجرة الصفصاف قبل إجتثاتها وربما في قفزة بهلوانية فقد روحه التي ظلت هائما لا تفارق الضاية ؟
مسعود هو السلحفاة العملاقة التي تدخل من باب الغار الذي يوجد في عمق الضاية لتتجه نحو عوالم عجيبة وغيبية بحثا عن الاتصال بأهل المدينة الملعونة الغارقة ؟
لكم واسع النظر . انتظر آراءكم المهمة حول هذه الشخصية التي قدمت لها الذبائح والشموع والتمر والتمائم والصيحات الوجدانية العميقة .
.
انتظر تفاعلكم وآرائكم بكل محبةي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق